احتفل العالم، في وقت سابق، بالدور المحوري الذي تؤديه القابلات ضمن منظومة الرعاية الصحية الأولية تحت شعار (القابلات دور حاسم في كل أزمة) وهن اللواتي يباشرن التوعية الصحية للأم الحامل في مراحل الحمل كافة.
ولا يزال الكثير يعرف ما تقوم به «الداية» أو القابلة من خلال المشاهد التلفزيونية والتمثيلية في الصورة النمطية لامرأة حامل تصرخ وجوارها امرأة كبيرة في السن تحاول تهدئتها وتسأل عن الماء الحار.. تغيرت الصورة النمطية الآن بعد تقدم طب الأمومة والنساء والولادة فـ«القابلة»، أو «الداية» أو «المولّدة» -وبحسب توصيف وزارة الصحة- هي ممارسة صحية مؤهلة علمياً، ومرخصة لتقديم الرعاية الصحية الأساسية للنساء من سن البلوغ حتى سن اليأس، شاملة فترة الحمل منخفض الخطورة والولادة والنفاس، ومساعدة الأم في الرضاعة الطبيعية، ورعاية المواليد حديثي الولادة إلى سن ثمانية أسابيع.
وسعت وزارة الصحة في إنشاء إدارة خاصة لهن «إدارة القبالة»؛ بهدف تنظيم المهنة وتطوير أداء القابلات وتدريبهن وتقديم الدعم اللازم لهن.
وتشير بيانات وزارة الصحة إلى أن عدد الولادات في المملكة تقارب 600 ألف سنوياً، وأن عدد القابلات يجب ألا يقل عن قابلة لكل 30 والدة؛ أي أنه يفترض وجود ما يقارب 200 ألف قابلة، بينما الموجود الفعلي حسب عدد المصنفات من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية في حدود ثمانية آلاف قابلة؛ منهن 2000 قابلة سعودية، وعدد القابلات التابعات لوزارة الصحة 1769 قابلة في 2018؛ السعوديات منهن 1097 قابلة.
الولادات منخفضة الخطورة
استشاري أمراض النساء والولادة وجراحة الأورام النسائية الدكتور حمزة عجاج، يرى أن مهنة القابلات (الدايات) من أقدم المهن الصحية، وقد كنَّ لقرون حجر الزاوية في رعاية الحوامل والولادة خصوصاً في المناطق الريفية، وقال لـ«عكاظ»: مع تطور الطب الحديث وظهور تخصص النساء والولادة، تراجع دور القابلات في المدن الكبرى والمراكز الصحية المتقدمة، إلا أن وجودهن لا يزال قائماً وله أهمية في بعض السياقات، فلا يزال بعض الأطباء يستعينون بالقابلات، خصوصاً في المتابعة الأولية للحمل، ففي بعض المستشفيات أو العيادات الريفية، تشارك القابلة في المتابعة الروتينية للحمل الطبيعي، وفي الولادات الطبيعية منخفضة الخطورة يجرين الولادة تحت إشراف الطبيب أو حتى بشكل مستقل في الأماكن التي تتيح ذلك قانوناً.
«الداية» خط الدعم الأول
«عكاظ» فتحت ملف القابلات وواقع عملهن والتحديات المهنية التي تواجههن.. فترى استشاري القبالة رئيس الجمعية السعودية للقبالة الدكتورة رؤى الطويلي، أن القابلة تلعب دوراً محورياً في دعم صحة المرأة والطفل، ليس فقط خلال الولادة بل في جميع مراحل الحمل وما بعد الولادة، إذ يتجلى دورها في تقديم الرعاية الصحية الأولية للمرأة الحامل، ومتابعة تطور الحمل، وإجراء الفحوصات الدورية، ثم التوعية الصحية بشأن التغذية والرعاية الذاتية ودعم الصحة النفسية والعاطفية للمرأة، ومساعدة الأم في الرضاعة الطبيعية، والعناية بالمولود، واكتشاف المضاعفات في وقت مبكر، وتحويل الحالة للطبيب عند الحاجة.
وتشير رؤى الطويلي في حديثها لـ«عكاظ» إلى أن مهمات القابلة مع وجود طبيب النساء والتوليد تبدأ منذ اللحظة الأولى لتخطيط الحمل أو في بداية الحمل، وتستمر خلال فترة الحمل والولادة وما بعدها وذلك حتى في وجود طبيب النساء والتوليد، وتكون القابلة هي خط الدعم الأول، خصوصاً في الحالات منخفضة الخطورة. أما في الحالات التي تظهر فيها مضاعفات طبية، فتتدخل القابلة بالتنسيق مع الطبيب المختص.
امنحوهن صلاحيات أوسع
تؤكد الدكتورة الطويلي أنه ورغم دور القابلة المهم في منظومة الرعاية الصحية، إلا أنها لا تزال تواجه العديد من التحديات مثل نقص الوعي المجتمعي بدور القابلة وأهميته، ووجود فجوة في الدعم المؤسسي والتدريب المستمر، إلى جانب ضغوطات العمل، خصوصاً في أقسام التوليد ذات الكثافة العالية في بعض الحالات، وضعف التكامل بين الفريق الطبي والقابلة، ومن التحديات أيضاً عدم منح القابلة الصلاحيات الكاملة لمباشرة مهماتها، والمطلوب هنا تعزيز مكانة القابلات كمقدمات رعاية صحية أولية، وتطوير برامج التدريب والتعليم المستمر، ومنحهن صلاحيات أوسع في المتابعة والتدخل، وزيادة الوعي المجتمعي بدورهن الحيوي، إلى جانب تعزيز التكامل بين القابلات وبقية الطواقم الطبية لتحسين نتائج الأمومة والطفولة، فالقابلة مؤهلة علمياً وعملياً لمباشرة عملية التوليد بشكل كامل في الحالات الطبيعية غير المعقدة، وتقديم العناية المتخصصة للأم والمولود قبل وأثناء وبعد الولادة، وفي الحالات التي تظهر فيها مضاعفات تُحوّل الحالة إلى طبيب النساء والتوليد.
وتطمح الدكتورة الطويلي إلى تعزيز وعي المجتمع بدور القابلات لأنه لا يزال في طور النمو، فالبعض يحصر دور القابلة في مهمة التوليد فقط في حين أن نطاق عملها أوسع بكثير. لذلك هناك حاجة ماسة لحملات توعية وتعليم لتوضيح أهمية القابلة، خصوصاً في المناطق الريفية والبعيدة عن الخدمات الصحية المتقدمة.
قابلات بالماجستير
وتشدد الحاصلة على «ماجستير قبالة» وضحاء المطرفي، خلال حديثها لـ«عكاظ»، على أن القابلة ممارسة صحية مرخصة ومصنّفة من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، ولها دور مهم وفعّال في مرحلة حمل كل امرأة، حتى أنّ دورها يتعدى ما قبل الحمل من إعداد المرأة وتثقيفها وإعطائها المعلومات الكاملة للمرحلة القادمة، ولها دور مهم في التثقيف والتعليم، ليس للمرأة فقط، بل داخل الأسرة والمجتمع وقبل الولادة.
فدور القابلة يختلف في القطاعات حسب السياسات؛ ففي القطاع الحكومي تقوم بالدعم اللازم والمشورة خلال فترة الحمل وأثناء الولادة وبعد الولادة، وتقوم بالتوليد على مسؤوليتها. أما في القطاعات الأخرى فالوضع مختلف حسب سياسات المستشفى. وتؤكد على زيادة الوعي بدور القابلة وتعزيز دورها بإنشاء أقسام دراسة القبالة في الجامعات السعودية وتخريج أول دفعة بكالوريوس على مستوى المملكة لعام 2025م، وكان لتأسيس الجمعية السعودية للقبالة أثر كبير في تنظيم العمل، وكذا وجود القابلات في منصات التواصل الاجتماعي ووصولهن إلى المجتمع والتوعية بدورهن كان له دور كبير ومهم.
لا تحصروهن في غرف الولادة
تضيف الحاصلة على ماجستير قبالة وضحاء، أنه حتى الآن لم نصل إلى الوعي الكافي في المجتمع بأهمية دور القابلة في حياة كل امرأة، فنحن بحاجة إلى مزيدٍ من التوعية في كل أطياف المجتمع من أطباء وعاملين في القطاع الصحي، وكذلك من أفراد المجتمع.
وتأمل تفعيل التشريعات والسياسات في المستشفيات وعدم حصر دور القابلة في غرف الولادة؛ ما يؤدي إلى محدودية عملها وخبرتها وإفادتها في المجتمع، فالقابلة ليست محصورة في نطاق غرف الولادة. وتماشياً مع التحول في القطاع الصحي، وتفعيل نظام الولادة الآمنة في المستشفيات وابتداءً من مراكز الرعاية الأولية، فالقابلة لها دور مهم يبدأ من المراكز الصحية، وقد تم افتتاح أول عيادات القبالة في المراكز الصحية 2025م.
رفع مستوى التقدير المجتمعي
القابلة إلهام عسيري، تؤكد من واقع تجاربها أن القابلة تلعب دوراً أساسياً ومتكاملاً في تقديم الرعاية الصحية للأم والطفل، بدءاً من فترة ما قبل الحمل حتى ما بعد الولادة، وتشمل مهماتها متابعة الحمل وتقييم صحة الأم والجنين، وتقديم التثقيف الصحي للأمهات حول الحمل والولادة، والرضاعة الطبيعية، والإشراف على الولادات الطبيعية، وتقديم الدعم الجسدي والنفسي للأم، ومتابعة صحة الأم والمولود بعد الولادة، والكشف عن أي مضاعفات، فدور القابلة يبدأ منذ بداية الحمل ويستمر خلال الولادة وما بعدها، حتى في وجود طبيب النساء والتوليد. فالعلاقة بين القابلة والطبيب علاقة تكاملية، إذ تتولى القابلة متابعة الحالات الطبيعية، بينما يتدخل الطبيب عند وجود مضاعفات أو الحاجة إلى تدخل طبي متخصص.
وتستعرض القابلة إلهام في حديثها لـ«عكاظ»، التحديات التي تواجه القابلات كنقص الكوادر في بعض المنشآت الصحية، وضغوط العمل، وساعات المناوبة الطويلة، والمأمول هنا تعزيز الاستقلالية المهنية للقابلة كمقدمة رعاية صحية، وإدراج دور القابلة بشكل أكبر في سياسات الصحة العامة، وتوفير برامج تدريب مستمرة لتطوير المهارات، ثم رفع مستوى التقدير المجتمعي والمكانة الوظيفية لمهنة القبالة.
خلط خاطئ بين القبالة والتمريض
أخصائي أول قبالة ثريا فلاتة، تأمل في تحسن الوعي بمهنة القبالة، وتضيف في حديثها لـ«عكاظ»: نعمل على تغيير المفاهيم الخاطئة عن المهنة بالتثقيف والممارسة، ونأمل كقابلات أن تعالج العديد من التحديات، منها قلّة أعداد القابلات مع الاحتياج العالي لوجودهن، نقص البرامج التدريبية والتعليمية؛ إذ تتوفر برامج قليلة في الجامعات وهذا النقص يؤدي إلى قلّة عدد القابلات المؤهلات، ومن التحديات أيضاً ضعف الدعم المؤسسي والمهني على الرغم من تأسيس الجمعية السعودية للقبالة، إلا أن الدعم المؤسسي والمهني لا يزال محدوداً، ما يؤثر على تطوير المهنة وتقديم الدعم اللازم للقابلات، إضافة لغياب وجود مستشارين أو مديرين متخصصين في القبالة ضمن الهيكل القيادي، ما أدى للخلط بين مهنة القبالة والتمريض، ولاتزال بعض الجهات الإدارية تعتبر القبالة جزءاً من التمريض.
عاملونا بصفتنا مهنيات لا مساعدات
القابلة نور الحربي تستعرض في حديثها لـ«عكاظ»، أبرز التحديات؛ منها ضغط العمل وقلّة عدد القابلات، إضافة إلى طول ساعات العمل خصوصاً في أقسام الولادة التي تعمل على مدار الساعة، والمناوبات الليلية، وأحياناً نواجه عدم تقدير كافٍ وتشكيكاً بقدرة ودور القابلة سواء من المجتمع أو حتى بعض الكوادر الطبية.
وتأمل منح القابلة المزيد من الاستقلالية المهنية، ودعماً أكبر في التدريب والتأهيل المستمر، وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية وجود القابلات في رعاية الأمومة والطفولة، «نريد أن نُعامل بصفتنا مهنيات أساسيات ولسنا مجرد مساعدات في غرفة الولادة».
من جانبها، تأمل القابلة أنهار النخلي أن يكون لكل قابلة عيادة خاصة تستطيع من خلالها تقديم الرعاية الكاملة والشاملة لرفع مستوى الوعي بدورهن وأهميتهن في الرعاية الصحية للأم والطفل، إضافة للتطوير المهني المستمر وتحسين مهاراتهن.
وتطمح القابلة مرام اللهيبي إلى توعية المجتمع بدور القابلة التي يقع على عاتقها تقديم رعاية أفضل للأم والطفل؛ لأن الثقة من البعض تجاه دور القابلة لا تزال دون المستوى، موضحة في حديثها لـ«عكاظ» أن القابلة تتولى مباشرة الولادة الطبيعية كاملة إذا كانت الحالة سليمة وتخلو من المشكلات الصحية.
أخبار ذات صلة